[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]عرف القدماء اللغة بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ولم تستطع التعريفات الحديثة للغة أن تتجاوز هذا التعريف الموضوعي, غير أن تعريف اللغة بوظيفتها يختلف عن تعريفها بحقيقتها وعلاقتها بالإنسان.. فاللغة هي الإنسان, وهي ا___ن والأهل, واللغة التي هي نتيجة التفكير.. هي ما يميز الإنسان عن الحيوان وهي ثمرة العقل والعقل كالكهرباء يعرف بأثره, ولا تري حقيقته.
والأصل في اللغة أن تكون مسموعة أي أن إنسانا ينطقها بلسانه وشفتيه فيسمعها إنسان آخر بأذنيه, ولكن عندما عرفت الكتابة بالرسم أو بالحرف منقوشة علي الحجر أو مكتوبة علي الورق أصبحت هناك لغة مقروءة أي أن الإنسان يقرأها بعينيه. وأصبحت هناك لغتان إحداهما سمعية والأخرى بصرية.
هذا ولقد مرت علاقة الإنسان باللغة في مرحلتين:
الأولي: مرحلة من قديم الأزمان وهي مرحلة اختراع اللغة علي نحو ما بتيسير من الله, وهي مرحلة معقدة بل شديدة التعقيد.
الثانية: مرحلة تلقي اللغة, وهي مرحلة يعيشها أبناء كل لغة علي حدة, فنحن نعيش في إطار العربية, كما عاش أجدادنا منذ مئات السنين, لقد تناولوا هذه اللغة بروح التقديس, وعالجوا كلماتها كما تلقوها بالكثير من الحفاظ علي تراثها, والرعاية لأصولها, حتى جاءت إلينا معبرة عن تاريخ بعيد, وتراث عريق, تنطق علي ألسنتنا, كما كانت تنطق علي ألسنتهم دون استغراب منا حيث أن أصواتها وصيغها, وتراكيبها هي هي كما كانت, لم يصبها كثير من التغيير رغم تطاول رغم تطاول القرون, وتتابع الأجيال, وهو أمر نادر الحدوث في عالم اللغات, لم يسجله التاريخ إلا للغة العربية, التي نقرأ نصوصها القديمة فلا نحس بقدمها, بل إننا نأنس بها, ونستمتع بتكرارها وتمثلها واستخداماتها في أحيان كثيرة, علي حين أن لغات أخري قد أصبحت من مخلفات التاريخ ولم يمض علي إنشائها قرن واحد فقط
ولم تعرف الإنسانية علي طول تاريخها لغة خلدها كتاب, إلا اللغة العربية التي بدأت بكتاب الله( القرآن الكريم) مرحلة جديدة في حياتها الخالدة حيث ساعدت قراءة القرآن علي توفير قاعدة أدائية في الجانب الصوتي, وهو أكثر جوانب اللغة تعرضا للتغيير والانحراف والتشويه. وهكذا شاءت إرادة الله أن تكون اللغة العربية لغة الإسلام ومن هنا كانت تلك الحملات الضارية التي انصبت علي اللغة العربية بهدف النيل منها بشتى الطرق والصور, مما أوجب علي أبنائها المخلصين لها ولربهم أن يعملوا جهدهم لتيسير تناولها وتعلمها للأجيال الجديدة من الأمة العربية والإسلامية ومن رغب في تناولها وتعلمها.
مفاهيم أساسية:
أكثر جوانب اللغة تعرضا للتغيير والانحراف والتشويه هي القاعدة الأدائية في الجانب الصوتي منها وهو ما نعرفه بالقراءة, والقراءة عملية معقدة ذات أبعاد متميزة, ولكنها متكاملة, لا ينفصل واحد منها عن الآخر, أي أن القراءة في حقيقة أمرها نظام صوتي يتعامل مع السليقة اللغوية لدي القارئ أو المتعلم أو السامع فيسهل عليه عملية الإدراك اللغوي.
ولقد حاول المغرضون بكل قواهم وأساليبهم المتعددة أن يلصقوا صفة التعقيد بالنظام الصوتي للغة العربية وهذا أمر بعيد كل البعد عن الحقيقة, ولكنهم نجحوا بعض الشيء في أن يلحق القصور والتخبط بمرحلة تلقي اللغة وتعلمها.
وحتى يستقيم الأمر سنبين بعض المفاهيم المتداولة في علم الأصوات اللغوية, فمن المعروف أن الأصوات تنقسم إلي مجموعات مختلفة, تبعا لاعتبارات مختلفة, فهناك اعتبار المخرج, واعتبار التصويت, واعتبار التوتر, وهي الجوانب الثلاثة الأساسية في تقسيم الأصوات عند تلقي اللغة لابد من الاهتمام بهذه الاعتبارات الثلاثة.
جذور اللغة العربية
لا نغالي إذا قلنا أن انطلاقة اللغة العربية كان من منابع أجواء جنوب الجزيرة العربية ومن اليمن بشكل خاص.
وهنا يداهمنا الظن ويساورنا التساؤل: كيف تسنى للغة الجنوب فيما بعد أن تستحوذ على لغة ولهجات مناطق شمال الجزيرة التي تختلف عنها كلياً، ولتصبح بالتالي لهجة إحدى القبائل الشمالية مصدراً أساسياً لعربية اليوم.
وهنا يداهمنا الظن ويساورنا التساؤل: كيف تسنى للغة الجنوب فيما بعد أن تستحوذ على لغة ولهجات مناطق شمال الجزيرة التي تختلف عنها كلياً، ولتصبح بالتالي لهجة إحدى القبائل الشمالية مصدراً أساسياً لعربية اليوم.
ولكي نوفي حق التساؤل أعلاه عادة ما تتراقص في أخيلتنا مؤثرات استحواذ لغة على لغة أخرى بحكم العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها مجتمعة أو منفردة، وأحياناً ما تتحكم في ذلك ظروف البيئة الطبيعية التي تحتمها الأحداث المفاجئة، وهذا ما حصل فعلاً قدر تعلق الأمر بتساؤلنا، حيث أن انهيار سد مأرب الشهير والمعروف بأسم عاصمة المملكة السبئية الثانية(650 ـ 115 ق م) في اليمن، وخرابه إثر السيل العَرِم بين (542 ـ570)، ألحق أضراراً لا حصر لها في المنطقة الجنوبية، غيرت من ظروف الحياة المعيشية من جراء أخطار الفيضانات العارمة وتدميرها شبكات تنظيم الري والأراضي الزراعية ودور السكن. إن هذه الكارثة حَدَت بأعداد كبيرة من سكان قبائل المنطقة للنزوح والهجرة صوب المناطق الشمالية، واستقرت في يثرب ومكة والشام والعراق، حتى قيل عن ذلك (تفرقوا أيدي سبأ). هذا بالإضافة إلى غزوات الأحباش والروم والفرس التي سببت فيما بعد توالي هجرات سكان المنطقة إلى الشمال.
إن هذه الهجرة المباغتة وما تعاقبتها من هجرات بسبب الغزوات لا تعني بأنه من السهولة على تلك القبائل من فرض سيطرتها على المنطقة برمتها بقدر ما تعني الخضوع لمتطلبات الأستقرار وضمان الحياة المعيشية. إلا أنه رغم الظروف السلبية في الحياة المعيشية فأنه حتمت مستلزمات الحاجة على مدى الزمن لتوطيد أواصر التقارب والإختلاط والجوار والمصاهرة. ومما لا شك فيه أن أزمات التنافر والمشاحنات ظلت دائرة إلى فترة ظهور الإسلام عام 622 م ونشوء فكرة أسس الدولة العربية.
ان ما تجدر الإشارة إليه هو انتشار الديانة اليهودية والمسيحية في المنطقة، وتواجد العرب بعيدين عن هاتين الديانتين وانعزافهم إلى الوثنية، حيثأ أَلَّهوا بعض قوى الطبيعة ومن الهتهم الشهيرة مناة الهة الحظ في مكة، واللات وتدعى الربة في الطائف، والعُزَّى أي الزُهرة في قريش، إضافة للحجر الأسود في مكة حيث كانت ُتنصب فوقه الأصنام. ان هذا الأنعزاف الوثني في العهد الجاهلي لم يكن حاجزاً ومانعاً من إقدام جماعات من العرب على اعتناق الديانتين المذكورتين، فقد كان هناك من دان باليهودية في اليمن ويثرب وخيبر، وبالنصرانية في مناطق الجزيرة والعراق والشام، وهناك دلائل عديدة على ذلك الاعتناق.
ومما سبق ذكره يتسنى لنا القول من تواجد لغتين متفاوتتين في منطقة الجزيرة العربية هما الآرامية والعبرية إلى جانب العربية التي تأثرت بهما واستعارت منهما العديد من المفردات التي سنأتي على ذكرها فيما بعد.
من هذا المنطلق يسعنا القول: إن العربية أحدث لغة من حيث المنشأ والتاريخ بين مجموعة اللغات السامية، وتُعَد أغلبها وسعاً وانتشاراً، قياساً بأختيها الآنفتي الذكر رغم انتمائهن جميعاً لذات الأرومة