اخبار السيارات

منذ أكثر من عشرة أعوام، بدأ التفكير الجدي لدى الحكومة بالعمل على إقصاء السيارات القديمة عن العمل، والبدء بإيجاد آلية تكون حلاً وسطاً بين الطرفين: الحكومة من جهة، وأصحاب السيارات من جهة آخرى. واليوم، في أواخر العام 2010، نضجت طبخة وزارة النقل -إن صحّ التعبير- وبدأت مديرية النقل الطرقي تعدّ العدة لشنّ حملة واسعة على الملوث الرئيس للهواء،

فكانت جبهتها الأولى التحضير لمشروع قانون استبدال السيارات القديمة، ومن ثمَّ العمل على إصدار المرسوم التشريعي الخاص بذلك، لاسيما أنَّ وزارة البيئة أعلنت أنَّ السبب الرئيس لتلوث الهواء هو وسائط النقل، التي تتسبَّب في 70 % من التلوث، حيث تعمل على المحروقات المعروفة، كالديزل (البنزين). ونتيجة تدنّي نوعية الوقود ، وعدم الاحتراق الكامل لها، تؤدي هذه الوسائط إلى التلوث الذي نشهده، خاصة في دمشق..
تحولات كان لابدَّ منها منذ عقد، لكن أن تصل متأخراً خيرٌ من ألا تأتي نهائياً. فسورية واحدة من بلدان قليلة لا تزال تسمح بوجود السيارات القديمة في شوارعها، بل إنَّ بعضها أصبح يستحقّ أن توضع في المتحف بجدارة، بعد أن مضى على صناعة هذه السيارات أكثر من ثلاثين عاماً. ولكن يبرز، في ظلّ هذه التحركات، تقاطع مع جهات حكومية أخرى، هي في صلب الموضوع، متمثلة بوزارة المالية. وكما يقال: «هنا مربط الخيل»؛ فالرسوم الجمركية، التي تفرض على استبدال السيارات القديمة، تشكّل عائقاً أمام مالكي هذه السيارات، وهي إذا ما بقيت على حالها ستحصل وزارة النقل على نتائج لا تحمد عقباها. وهذا ما لا يحتاجه الوضع القائم، ولا يتناسب مع الجهود التي بذلت لتطوير أسطول السيارات في سورية.
فماذا يعني استبدال السيارات القديمة بسيارات حديثة؟، ومن المستفيد؟، وما النتائج المتوقعة من هذا الموضوع؟..

على الطريق..
البداية كانت مع إعلان وزارة النقل عن إعداد دراسة لاستبدال السيارات القديمة. وهذا ما يؤكده مدير النقل الطرقي الدكتور المهندس رياض الخليفة: «يتمّ الآن التحضير، بتوجيهات وزير النقل، للعمل على إعداد دراسة متكاملة عن السيارات القديمة في سورية، وإمكانية استبدالها في الوقت والزمان المناسبين. وتشمل أنواع السيارات (السياحية، والميكروباصات، والشاحنات). وهو الآن يخضع إلى الأصول المتبعة في أيّ مؤسسة رسمية، حيث أعدت مديرية النقل الطرقي دراسة القرار من كافة جوانبه، وسيتمّ رفع الدراسة إلى وزير النقل بعد الانتهاء منها، ليرفعه بدوره إلى رئاسة مجلس الوزراء لتتمّ مناقشته وإقراره».

· وداعاً للسيارات القديمة
وزارة النقل ترسّم يومياً عدداً كبيراً من السيارات الجديدة. وهذا يعني أنَّ هناك نمواً في عدد السيارات بشكل كبير. ووجود السيارات القديمة يعني أنَّ المشكلة تزيد أكثر وأكثر. ويضيف الدكتور خليفة: «الغاية المرجوة من الدراسة كانت بهدف الحدّ من تزايد السيارات القديمة في سورية، والعمل على استبدالها بسيارات حديثة؛ وذلك بما يتناسب مع ما يتمّ الحديث عنه من تطور، وبما يجاري الدول المتقدمة والمجاورة لسورية. وهذه الخطوة تساعد على التخفيف من التلوث البيئي الناتج عن السيارات القديمة».
السيارات القديمة لا تشكل مصدر إزعاج للبيئة فقط، بل هي أول مستهلك للوقود بشكل كبير؛ يقول الدكتور خليفة: «هناك مشاكل فنية عديدة تعاني منها السيارات المقصودة؛ فمعظمها لا يخدم بالشكل المطلوب وذو ضرر عال على البيئة، ولا يمتلك الجودة الفنية اللازمة للسير في شوارع دمشق وغيرها. وهذا ما دفع الوزارة إلى التحرك في هذا المجال. وهذا القرار يصبّ أولاً وأخيراً في مصلحة ا___ن والمواطن».

· «هالسيارة مش عم تمشي»
القضية الأبرز «أي نوع من السيارات سيخرج من الخدمة؟»، وبالتالي «ما البديل لمالكي هذه السيارات؟». يجيب مدير النقل الطرقي: «لم تحدد الدراسة، التي يعمل عليها الآن العمر الزمني للسيارات التي سيتمّ إيقافها عن العمل أو استبدالها. وهذه تخضع، بعد الانتهاء من الدراسة، التي ستعلن بشكل رسمي. فدراسة المشروع ستشمل السيارات التي يزيد عمرها على 30 سنة على الأقل. وهذا الرقم قابل للتغير على اعتبار المشروع قيد الدراسة».
وأردف الدكتور خليفة: «إعطاء المواطنين بديلاً عن السيارات التي ستنسق إن صحّ التعبير، فكرةٌ غير مطروحة.. وإعطاء حوافز للمواطن المالك للسيارة بإعفائه بنسبة معينة من الرسوم الجمركية ونسبة من رسم الإنفاق الاستهلاكي (الرفاهية) للسيارات السياحية الخاصة، حيث لم يتمّ تقرير الحوافز المقدمة للمواطن، ولكن لابدّ من وجود حوافز لدفع المواطن على اتخاذ مثل هذه الخطوة، وذلك من خلال حيازته على سيارة حديثة بمواصفات جيدة، بالإضافة إلى حوافز أخرى تتعلق بالرسوم والرفاهية لم يتمّ تحديدها بعد، حيث سيكون هناك تنسيق واسع مع وزارة المالية ومع كافة الجهات المعنية».


«كلّن بدن سيارات»
لم يتمّ، حتى تاريخه، تبنّي أيّ إحصائية واضحة في وزارة النقل حول عدد السيارات القديمة في سورية. ولكن معطيات الدراسة، التي يجري العمل عليها، تفيد بأنَّ هناك أعداداً لايُستهان بها من هذه السيارات. وعليه سيتمّ استبدالها كاملة. وفي ذلك يضيف المهندس خليفة: «يتمّ حالياً استبدال السيارات السياحية الخاصة بحسب المرسوم رقم 60 للعام 2001 موديل 74 وما قبل، ويجب أن تستبدل في مدة أقصاها 31/12/2010. وفي حال لم يرغب صاحب السيارة في استبدالها، وكانت بحالة فنية جيدة، يمكن تجديد ترخيصها مقابل دفع رسم إضافي مقداره 200 ليرة سورية على كل حصان مالي، إضافة إلى الرسوم الواجبة حسب التعليمات النافذة. أما بخصوص السيارات السياحية العامة، فستبدل من موديل 1977 وما قبل خلال مدة أقصاها نهاية عام 2010».

«مو على كيفك»

السؤال المطروح: «لماذا عمدت الجهات الحكومية إلى اتخاذ القرار في الوقت الحالي؟».. يجيب الدكتور خليفة: «هذا القرار يتوافق مع التوجهات العالمية، كما أنه يتوافق مع توجهات الحكومة السورية، من حيث التنسيق الموسع بين الجهات المعنية في سورية، لدراسته بشكل دقيق من حيث الميزانية المخصصة والفوائد التي ستعود جرّاء تبنيه». وفيما يتعلق في حال حصل هناك أي امتناع من أيّ مواطن لاستبدال سيارته، قال الدكتور خليفة: «هناك مرسوم سيصدر بخصوص هذا المجال، وسيطبق. وبالتالي لا مجال للرفض أو التلكؤ»، مضيفاً: «كثير من المواطنين مالكي السيارات القديمة (السياحية، والميكروباصات، والبيك آب) يرغبون في استبدال سياراتهم باعتبار أنها بحالة فنية سيئة وتكلفة إصلاحها مرتفعة، إضافة إلى استهلاكها الزائد للوقود مقارنة مع السيارات الحديثة الاقتصادية في الوقود. وهذا توجه عالمي».

عوادم المركبات
خطوة وصفها المراقبون بالجيدة، تحسب لمصلحة البيئة والنقل في ذات الوقت، فماذا سنحصد من هذه الحركة؟.. يقول مدير النقل الطرقي: «النتائج المتوقعة من ذلك: تخفيض استهلاك الوقود، والإقلال من تكلفة الإصلاحات المترتبة على هذه المركبات، والإقلال من نسبة انبعاثات الغازات الخارجة من عوادم هذه المركبات على تلوث البيئة.. علماً بأنه لدى وزارة النقل أجهزة فحص فني حديثة لفحص المركبات بشكل عام (جهاز فحص الغازات والمكابح، والمخمدات، وغيرها)، كما أنَّ وزارة النقل رخَّصت لإنشاء مراكز فحص فني خاصة بموجب قانون سير المركبات النافذ».

إرهاق الدولة والمواطن
المدافعون عن البيئة اعتبروا أيّ خطوة تتّخذ في اتجاه البيئة هي لمصلحة البلد أولاً، ولابدَّ من دعمها. المهندس عماد حسون (معاون وزيرة الدولة لشؤون البيئة)، قال: «أيّ إجراء يؤدي إلى تخفيف التلوث البيئي نحن معه وندعمه، ولابدَّ من تعاون جهات كثيرة معنا في التخفيف من التدهور البيئي والحدّ من تكاليفه المرهقة. فالسيارات القديمة تستهلك كميات كبيرة من الوقود بحكم قدمها وعدم صلاحيتها، كما أنَّ أداءها على الطرقات غير جيد وغير حضاري، واستجابتها للإقلاع والتوقف غير السيارات الحديثة، وإصلاحها يرهق كثيراً من حيث التكاليف، سواء على الدولة أم جيبة المواطن. وهذه الإصلاحات تضرّ بالبيئة مهما كان الإصلاح جيداً».
الدعم موجود، ولكن لابدَّ من وجود شروط أيضاً؛ يقول المهندس حسون: «إذا أقدمت وزارة النقل على هذه الخطوة الجيدة واعتمدتها، فذلك يسهم في تخفيف التكاليف المصروفة على البيئة. ولكن لابدَّ من العمل على استيراد سيارات ذات جودة عالية، وصديقة للبيئة في الوقت ذاته. وهذا ما يجب أن تراعيه وزارة النقل وكلّ الجهات المعنية؛ لأنَّ معظم تلوث الهواء ناتج عن وسائط النقل، لاسيما القديمة منها».

«خلينا نحسبها»
من جهة أخرى، الدكتور فاروق العادلي (خبير بيئي)، قال: «نحن من الدول القليلة التي مازالت تحتفظ بسياراتها القديمة. والمشكلة أنَّ هذه السيارات، عدا عن أنها تلوث البيئة، تحتاج إلى صيانة مستمرة وقطع تبديل وتكاليف مادية إضافية غير مقبولة مع الزمن. ففي أوروبا، مثلاً، ضمن دراسات الجدوى الاقتصادية، العمر التصميمي للمركبة يجب ألا يزيد على خمس سنوات. فهم غايتهم من مثل هذه الدراسات ألا يتكلفوا كثيراً. فإذا حسبنا تكاليف سيارة قديمة وما تكلفه من قطع تبديل وصيانة، نجد أنها صرفت كثيراً وتكبَّد صاحبها خسائر كبيرة وهدرت كميات كثيرة من الوقود. وهذا له أثر على الدولة وعلى أصحابها في ذات الوقت».
وأردف الخبير البيئي: «يجب أن تشمل الدراسة كل السيارات القديمة، سواء التي عمرها 15 أو 20 عاماً أو أقلّ وأكثر. فهذا أفضل وله نتائج إيجابية كبيرة، على الرغم من الطاقة المالية الصعبة على الدولة. ولكن إذا حسبناها من حيث الجدوى ستكون مربحة أكثر للدولة مثل هذه الخطوة؛ لأنَّ التكاليف غير منظورة، وتنع__ بالتالي على الصحة العامة للمواطنين، وعلى الاقتصاد ا___ني. فعندما تزيد نسبة التلوث تزيد نسبة المصابين بأمراض السرطانات وأمراض التنفس وغيرها الكثير من الأمراض. وتتكلف الدولة عندئذ مصاريف كبيرة، وتزيد بالتالي الميزانيات المرصودة لوزارة الصحة».
يبقى ..
يد واحدة لا تصفق، وأيّ مشروع يبدأ لابدَّ أن يكون بتشاركية كاملة مع الجهات الحكومية كافة. فاستبدال السيارات القديمة يعني أن تعمل وزارة المالية ومديرية الجمارك العامة على تخفيض الرسوم الجمركية على المركبات، من أجل تشجيع غالبية مالكي السيارات القديمة على استبدال سياراتهم. وبالتالي عند ذلك يمكن الحديث عن بيئة نظيفة، واستهلاك أقل للوقود، إضافة إلى مصدر جمالي للبلد، وبما يتماشى مع الكثير من الدول المتقدمة في هذا المجال، علماً بأنَّ نسبة الرسوم الجمركية للسيارات السياحية لا يتجاوز 5 % في اليمن، بينما في سورية 40 % للسيارات السياحية التي لا تتجاوز سعة محركاتها 1600 سم3، و60 % للسيارات التي تتجاوز ذلك.

بالأرقام
مديرية الإحصاء والتخطيط في وزارة النقل، قالت في بيان سابق لها نشر في موقع الكتروني: زاد عدد المركبات المسجلة في سورية، خلال الربع الأول من العام الجاري، ليصل إلى 1817372 مركبة، مقارنة مع 1583587 مركبة خلال الفترة نفسها من العام الماضي؛ أي بزيادة ربع مليون مركبة مسجلة خلال عام. وإنَّ حجم الرسوم المحصلة على هذه المركبات، خلال الفترة ذاتها، وصل إلى 8076640 ليرة سورية، مقارنة مع 7384724 ليرة سورية العام الفائت؛ أي بزيادة مقدارها 691916 ليرة سورية. وزادت ضريبة الدخل على المركبات من 514764 ليرة إلى 516471 ليرة سورية.

1.6 مليون سيارة.. العدد الإجمالي للسيارات في سورية من فئات الخصوصي والعامة والإدخال المؤقت في العام 2009

28 % من هذه السيارات تتركز في محافظة دمشق :(39):

(7)