يا رب
أيها الإله المسن الوحيد في عليائه
في ليلة القدر هذه,
وأمام قباب الجوامع والكنائس
اللامعة والمنتفخة كالحروق الجلدية
أزرر سترتي
وأطوي غمامة بيضاء على ذراعي
لأصير خادمك المطيع
ووكيل نعمك , وكوارثك إلى الأبد...
أعري أشجارك في الخريف
وأملؤها بالزهور والطيور في الربيع.
أساعد الينابيع الصغيرة في جريانها
والحمائم المشردة في بناء أبراجها
وأضلل العقارب والأفاعي
عن أرجل العمال والفلاحين الحفاة
وأكــسو ثياب الأطفال الفقراء
بالرقع الجديدة الملونة فيالأعياد
وفي الوقت نفسه
سأرشد زلازلك و براكينك وفيضاناتك
إلى أكثر الأكواخ والأحياء فقراً وازدحاماً
حتى لاتضيع حجرة من حممك
أو قطرة من سيولك ,
هباءً بلا جدوى
بل وسأوقظ ماركــس وانجلز من قبريهما
وأرغمهما على الصراخ بأسنانهما المكشرة ,
أمام ضحايا المعتقلات
وجثث المناجم والانهيارات الثلجية
والمقابر الجماعية
وامام عائلاتهم واطفالهم
والاعتراف , وهما يضربان اخماساً بأسداس
هذه مشيئة الله.
ولكن أبق لي على هذه المرأة الحطام
.. ونحن اطفالها القصر الفقراء
سنهدي لعبنا وأقراطنا وثيابنا الجديدة
لملائكتك الصغار,
ونظل عراةو إلى الأبد ...
ولكن ابق لنا عليها ,
لبضعة شهور
لبضعة أيام فقط .
نتناوب السهر عليها
وتجفيف العرق المتدفق على جبينها .
فهي ظلنا الوحيد في هذه الصحراء
نجمنا الوحيد في هذه الظلمات
جدارنا المتبقي في هذا الخراب
ثم إنها لم تاخذ من تراب ا___ن
أكثر مما يأخذه القدم من الحذاء
***
أيها الأنف الأحدب الجميل,
كــسنبلة تحت طائر
أيها الفم الدقيق , كمواعيد الخونة أو الأبطال ...
يا بذرة الحروب المقبلة
لم استعجلت الرحيل
والرقاد إلى الأبد , باسمة مطمئنة
في أقرب نقطة لآل البيت
مولية ظهرك لكل ثورات العالم ؟
ولكن لاعليك يا حبيبتي
لقد رأيت بأم عيني
في إحدى الليالي الثلجية العاصفة
على ضفاف الفولغا
ماركــسياً مشرداً , ينام تحت سيف القيصر .
آه كم فرحنا , انا وشام وسلافة
بالحمرة الواهية
وقد عادت إلى الخدين الشاحبين
وكم صفقنا طرباً
لشعرك القصير المنهك
وقد راح ينمو بحماسة بائسة
كشعب زنجي في حقول بيضاء ...
***
يا يتيمة الدهر وكل الدهور
من أين ورثت
هاتين الرئتين الواهنتين كرئتي عصفور؟
وهذا النمش المتجمع على ذرى الكتفين ,
كما تتجمع العصافير الخائفة في أعالي الأشجار؟
من أية مطاردة ,
تعلمت إغلاق الأبواب والنوافذ
والرقاد مع طفلتيك
لاهثة تحت الأسرة والمقاعد ؟
بل من أي معركة
ادخرت هذه الدموع المقاتلة
وهذا الرحم المنذر والمترفع كأبواق الحرب ؟
***
آه يا حبيبيت
الآن يكتمل جنوني كالبدر
كل أسلحتي عفا عليها الزمن
كل صحبتي تفرقت
وحججي فنُدت
وطرفي استنفدت
ومقاهي تهدمت
وأحلامي تحطمت
ولم يبق لي , إلا هذه اللغة
فماذا أفعل بها ,
بحروفها الملتصقة بمخارجها كبول الأفعى .
أيتها الزهرة المطرودة من غابتها
أيتها العضة العميقة في قلب الربيع
حبك لا ينسى أبداً
كالإهانة , كجراح الحسين
كل من أحببت , كن نجوماً
تضئ للحظة وتنطفئ إلى الأبد
وأنت وحدك السماء .
ثلاثين سنة ,
وأنت تحمليني على ظهرك كالجندي الجريح
وأنا لم أستطع
أن أحملك بضع خطوات إلى قبرك
أزوره متثاقلاً
وأعود متثاقلاً
لأنني لم أكن في حياتي كلها
وفياً أو مبالياً
بحب , أو شرف أو بطولة ,
ولم أحب مدينة أو ريفاً
قمراً أو شجرة , غنياً او فقيراً
صديقاً او جاراً , او مقهى ,
جبلاً او سهلاً , أو طفلاً او فراشه.
فكراهيتي لللإرهاب
لم تترك لي فرصة ,
حتى لمحبة الله .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]