من سلسلة قصص ((أمــــادو))
للكاتب الكبير والمميز والمتألق ...
الأستـــاذ:
خـــالـــد مـــير محمـــودالباحث والفيلسوف والمتبحر في الفكر الجديدقـــــــــــــصـــــــــــــــــة ::
"
الــكــــــــــــــــــــابـــــــــــــــوس "
***********************************
***********************************
منذ نعومة أظفاره وهو يسمع أنه من أمـّة متخلـّفة وجاهلة , ومنذ نعومة أظفاره وهم يفهمونه أنـّهم جرب أبناء قمل ...
وأنّ العجائز منهم عندما تكبر هكذا تصبح براغيطا ً , وأنـّهم أمة لا تقرأ ولا تكتب , وإنما يشترون الصحف والمجلات من أجل الصور العارية والجنسية وبخاصة بعض المتدينين .
ينظرونها بولع شديد ويأمرون بالستر , وكذلك أبناؤهم يفعلون ذلك خفية عن أهليهم ..
عفوا ً أيها السادة , نسيت أن أعرفكم بهذه الشخصية , يقول عن نفسه , إنني قميل بن قراد , وأمي القملة , هكذا ينادونني , ومنذ نعومة أظفاري وأنا أسمع أننا لن نصبح من فصيلة البشريات ولن نتأنسن إلا عندما نعرف كيف نقف بالطابور , لذلك فإنّ السلطات القائمة على الأمة تريد أن تأخذ بأيدينا لنرتقي ونتجاوز مرحلة العصر القملي , فوضعت لنا التمارين الرياضية في كلّ صقع ومصر وواحة وفلاة .
فإذا أردت أن تشتري الخبز, فعليك أن تقف بالطابور, وإذا أردت أن تحصل على المازوت فعليك أن تقف بالطابور , وإذا أردت أن تتقدم لوظيفة, فعليك أن تقف بالطابور , وإذا أردت أن تدفع رسم الهاتف, فعليك أن تقف بالطابور , وإذا أردت أن تدفع فاتورة الكهرباء فعليك أن تقف بالطابور , وإذا أردت أن تدفع رسم الماء الملوث, فعليك أن تقف بالطابور , وإذا أردت أن تدفع رسم الهواء, فعليك أن تقف بالطابور, وإذا أردت أن تقبض الراتب , فعليك أن تقف بالطابور , وإذا أردت أن تستقرض, فعليك أن تقف بالطابور , ولأنني لا أملك المال من أجل الزواج ولم أستطع الصبر فقد ذهبت إلى مكان عمومي , وهناك طلبوا مني التعـرّي , وعندما تعرّيت, طلبوا مني الوقوف ب "الكاريدور" . لكنني فوجئت وبالطابور أيضا ً !!!.
ولم أعد قادرا ً على الرجوع , ولأنني خجول جدا ً انتابتني زغللة في عينيّ , ازدادت أكثر عندما بدأ التزاحم , وأحسست بعضو منتصب يدفعني بقوّة نحو الأمام , مما أوقعني في غيبوبة, وسقطت على الأرض فزعاً, وأصيب الواقفون بالذعر, فتراكضوا مما أدى إلى دهسي وضعضعة جثتي , فأصبحت بلا نبض ولا حياة ٍ ورحت من هذه الدنيا الفانية , وحملوني إلى المقبرة , بعد أن تأكـَّدوا من موتي , وهناك أنزلوني في حفرة عميقة وهالوا عليّ التراب وأنا أسمع وأرى كلّ شيء لكنني لم أكن أستطيع الكلام , وعندما رحلوا وأصبحت حبيس قبري , عصـّني عصـّة, وضمـّني ضمـّة, وأصابتني غمـّة أشدّ من الغيبوبة السالفة فاستفقت على نور خافت , وملكين بأجنحة خضراء من ريش النعام وأيدي بأصابع وأظافر من الذهب الخالص , اقتحما عليّ عزلتي دون استئذان , وبدءا يهمسان , ويدوّنان , وأنا أسمع أجزاء من حديثهما, أدركت من خلاله أنهما يعرفان عني كلّ شيء حتى الأشياء التي تناسيتها وصارت غامضة في سلة مهملات الذاكرة .
لقد استضاءت ها هنا من جديد وطفت على السطح بعدها استدارا نحوي ووجها الكلام إليّ قائلين : لقد ارتكبت معصية بتاريخ كذا وذكراني بفعلتي .. وفعلت كذا بتاريخ كذا .. وخنقت ديكا ً بتاريخ كذا .. وسرقت دجاجة وأكلتها بتاريخ كذا .. وأتبعتها بعنزة لراعي القرية المجاورة بتاريخ كذا .. ومارست الموبقة الفلانية بتاريخ كذا ...
والـ ... بتاريخ كذا ...الخ ؟!!.
قلت أجل , أجل , أجل ... وراحا يذكراني ويذكراني وأنا أعترف وأعترف إذ لا مجال للإنكار , فكلّ شيء مثبت لديهما أصلاً , وهنا أمراني أن أوقع على عريضتي, وأن أبصم بإبهاميّ الأيمن والأيسر , لكي لا أتراجع عن أقوالي أمام الرب العالي .
لا أنكر أبدا ً أن أخطائي كثيرة, وحسناتي هباء لا يذكر, وصحيفتي سوداء بلون الإسفلت, ورائحتها قمامة وعفونة , حتى الملكان اضطـّرا لوضع كمامتين على أنفيهما , كتب عليهما ((USA ذلك خوفا ً من أن أنقل إليهما مرضا ً خطيرا ً, بعدها حملاني وصعدا بي من خلال نفق طويل , كانت سرعتهما خاطفة ورقبتي ممطوطة بين يديهما إلى أن توقفا فجأة , وفي مكان أكثر رحابة , وهناكَ وقعا على الأرض سجـّدا ً وأنا واقف لا مبالي , بعدها سمعت مناديا ً ينادي, ومن معكما ؟!.
قالا : هذا قـُميل بن القملة , ووالده البرغوط !!!.
خجلت وكدّني العرق , إذ اكتشفت أن أبي آخر غير المدعو " قراداً " ذلك المسكين الذي رباني ودرّ عليّ .
وبعد برهة جاء الصوت من جديد قائلاً : خذاه إلى الجحيم وألقياه في العذاب المقيم .
قالا بصوت متوحد: يستحقّ ذلك وأكثر يا مولاي, وقبل أن يدفعاني إلى ذلك الظلام , عير منزلق وروائح وأنسام , ابتسمت ابتسامة عريضة فلمحاني وعجبا لأمري وقالا لي :
ألا تخشى على نفسك يا قميل ؟!! فقهقهت حتى أوشكت على الس___ .
قلت لهما : إنني أصيل متحدّر متجذر في تلك الأرض, من أمة ذات الطول والعرض, وأرتع على بحر من النفط, فقهقها لمقالتي, ثمّ لفـّهما من الحيرة والاستغراب, وتهامسا قائلين: لنعيده إلى وطنه, ليتعذب أكثر وأكثر , وبعدها نأتي به إلى هاهنا, كي لا يسيء إلى الجحيميين الطـيبين !!.
وعندما سمعت قولهما , بكيت بكاءً مراً , وشهقت شهقة حرّى , وعدتُ إلى غيبوبتي الشديدة, واستفقت منها, ممددا ً , مكوّما ً , على بلاط " الكردور" عاريا ًمن كلّ شيء, حتى من ورقة توت تستر العورة !!!.
***********************************
***********************************
أتمنـــــــى من الجميــــــع التعلـــــيق وتــــــرك رد مميـــــــز وشكـــــــرا " ...
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] بـ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ـودي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]