وريث الملائكة ... القصة 2
وريث الملائكة
أحاط به العوز من كل جانب , لم يدع له فرصة للوقوف على رجليه , ولا الزحف على جنبيه فعند البقال حساب, وعند الجزار حساب , ولدى صاحب النوفوتيه حساب , وفاتورة هاتف من هنا , وفاتورة كهرباء من هناك , الماء والهواء البلدية والقمامة, المالية الطفيلية ضريبة تتلوها ضريبة أيّ شباب, وأيّ بشر نحن ...؟!.
لم يعد يستطع النوم كل شيء خانق ومميت حتى النسيمات باتت ثقيلة .
نظر إلى الماضي , مخز ولعين , نظر إلى المستقبل قاتم وحزين, نظر إلى الحاضر أسود وبهيم , كل الطرقات سدّت أمامه فلم يجد بدا ً من الانتحار ..!!.
ولمَ لا إنها الوسيلة الوحيدة التي تريحه ..
وهو السبيل المتفرّد الذي يخلصه من نظرات البقال, ومن توبيخ الجزار, ومن استهزاء صاحب النوفوتيه الداعر الذي قال له: ابعث أختك تعمل عندي بالمبلغ وابتسم ابتسامة صفراء وعضّ على شفتيه وأصدر حسيساً من بين شفتيه آخ خ خ خ ...
حمد المسكين الله أن ليس له أخت وأنّ أمه انقبرت وشبعت موتاً ووالده العجور لن يفيد صاحب النوفوتيه الساقط بشيء ..
أجل إنه الانتحار, الانتحار لا غيره, هو الحلّ الوحيد والخلاص السديد, لن نحتاج بعدها للمال , ولا للمأكل , ولا للمشرب , ولا للملبس ,, ولن ندفع .. (وليبلطوا البحر الأحمر ) ولشربوا البحر الميت .
وهذه هي السكين الحادة , حزّة واحدة وينتهي الألم الذي حمـّلني إياه البقال والجزار وصاحب النوفوتيه , حزّة واحدة وينتهي كلّ شيء وأغادرك يا مدينتي سأترك صقيعك وهواءك اللافح وشوارعك الملتوية , سأغادرك إلى الأبد .
لن أجعل أحداً يهتدي إليّ ولن أترك أثراً يدلّ عليّ ..ستكون جريمة غامضة وكاملة ..
أجل سأقتل نفسي في مكن بعيد ... بعيد جدا ً , لا يعرفني فيه أحد لا عسس الليل ولا كلابهم ولا عـيونهم ولا أنوفهم ولا أذنابهم...
هناك في قلب البادية سأقتل نفسي لأكون طعاما ً للنمل والديدان والأفاعي والغربان وليخرجوني من بطون السباع والضباع والنسور إن استطاعوا وليحاكموني بأني قاتل وليعلقوني من أعضائي وليسملوا عـيوني .
الآن في هذا الظلام سأخرج متنكراً وأنسلّ , وباتجاه الشرق سأحثّ السير , ها أنذا أمشي وسأظلّ أمشي خرجت الآن للتوّ من مدينتي لم ينتبه إليّ أحد إلا ّ نفسي ها أنت وحدك يا نفسي الملعونة التافهة الحقيرة سأضيع****أطلقك من باب جسدي الثقيل وأتركك في البرية ستذهب نفسي باتجاه حمص وسأذهب بجسدي باتجاه البلعاس , وهنا****يخرج لي هاجس العكاري , وسيمطرني بأشعاره العهرية والإنبطاحية وسأعاجله باستعاذة وبسملة وحوقلة وشهاب ثاقب , ولكن إذا ضيعت نفسي فستنجو من الانتحار وتفلت يا للعار وأبوء بفشل كبير وأعود عن خطة المحكمة التي أعددتها بعد عناء ..
إذا ً عليّ أن أستدرج هذه اللعينة وأطبطب على كتفيها وأهدهد شعر رأسها ..
وأنا مستغرق في تفكيري حطّ بي المسير في منطقة فريدة من البادية بصيص نور يلوح من البعيد قد تكون الشمس سأتجه صوبها وتحتها سأنتحر ..
وكدّني التعب وأوهنني الظمأ ولكن لن أنثني ولن أتراجع والانتحار باسط ذراعيه وعزرائيل هو الملاك الوحيد الذي سيأتي سواء طلبته أم لم تطلبه , وجبرائيل من يوم محمد (صلى الله عليه وآله وأنصاره) أقسم أن لن يطأ الأرض إلا عند اقتراب القيامة, حيث ينزع ما تبقى من كلام الرب من قلوب جميع العباد.
يا إلهي ها هي ذي الشمس تصعد نحوي وتحتها خيال لأشجار , قد تكون حقيقة لا سراباً , سأكمل حتى أصلها ..
ها أنا ذا أقترب وأقترب .. ما هذا ؟!.
إنه جرف يطلّ على جنة في الصحراء يا إلهي أشجار يانعة وبئر ماء ..!!.
لا إنس ولا أنيس , إنني ظمآن وسأشرب من هذا الماء اللذيذ , ولكن يا إلهي إذا كنت سأنتحر فلماذا الماء والارتواء ..؟
ولماذا لا أشرب ؟! والجزار القاسي القلب يقدم الماء للخروف قبل أن يذبحه ..
ها هي ذي "الطرنبة" ما أخفها وألطف ماءها , حقاً إنّ الماء حياة, ولكن مالي وما لهذه الحياة .
الآن سأستلقي وهذه المدية في يدي وسأذبح نفسي ..
يا للتعب سأغفو قليلا ً لأرتاح وبعدها أنفـّذ جريمتي الكاملة والغامضة ...!! يا إلهي ما ألذ النوم, لذيذ خ خ خ خ خ خ ...
وجاء صوت من بعيد يصيح قائلا ً : توقف , توقف .!!!.
يا إلهي كائن يحمل سلاحاً, ويتوجه نحوي إنه ملاك الرعب عزرائيل متنكراً في زيّ محارب سأسبقه بالسؤال لأعرف منه ما يريد, ولكن ما هذه النظرات الشريرة التي يرمقني بها وما الذي يعرفه عني حتى يستقبلني بهذا التقطـيب ..؟!.
هي من أنت أيها المحارب العتيد ؟ من تكون ؟ أأنت عزرائيل أم إسرافيل بالله عليك ؟!.
- لا أيها الشاب أنا رضوان حارس المكان صاحب الجنان, ولكن من أنت بسلامتك الذي اقتحم جنتي من غير إذن ولا استئذان ؟!.
- ياه أصبحت في الجنة إذا ً ...!!.
وهذا ملاك الربّ رضوان , نعم أنا في الجنة , يا للورطة كنت أظنّ نفسي هاربا ً إلى الجحيم وإذا بي أسقط في الجنة , ماذا سأقول لملاك الرب الآن ؟.
لن أستطيع الكذب فالصدق أنجى وسأعترف بالحقيقة , اسمع أيها الملاك رضوان رضي المولى عليك , ما خرجت إلا لكي أقتل نفسي , أجل نويت الخلاص من الفقر بعيدا ً عن الدائنين والبشر السيئين .
ويضحك الملاك قائلاً: المؤمن لا يقتل نفسه لا يفعل فعلتك يا رجل خرجت لتقتل نفسك بدل أن تقتل الفقر أيها المسكين !!.
دع السكين وانهض ..
- حاضر يا ملاك الرب , ونهض الشاب متثاقلا ً , ويضحك الملاك..
- ويعجب الشاب ويسأل : ولكن أيها الملاك لماذا تضحك كل هذا الضحك ..؟!
- ويقهقه الملاك ثانية ويقول : لأنني مثلك خرجت مرّة من أجل أن أقتل الفقر وعندما أفلحت وقتلته تمنيت لو كان لي زوج وولد لكنني حرمت ذلك وعندما رضيت عن طـيب خاطر أسمتني السماء رضوانا ً والآن سأجعلك وارثي الأبدي أيها الإنسان ابني الوحيد وهذه جنتي ملكك اعمل بها بيديك تزوج وأنجب كن تقياً أحبّ الكائنات من حولك اقتل الفقر وتمتع في دنياك ووفي ديونك بدلا ً من قتل نفسك ... أتعدني بذلك ؟
استيقظت من نومي ولسان حالي يصرخ حاضر يا ملاك الربّ , حاضر يا ملاك الربّ ... حاضر يا ملاك الربّ .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]